فإذا وجدوها اشتاقوا والتذوا بها التذاذا عظيما.
إذا عرفت هذا فنقول : الملائكة المقربون وإن كانت درجاتهم عالية فى العرفان ، إلا أنهم آمنون فى تلك الدرجات عن التغيرات فهم كالملوك المتنعمين المواظبين على أكل الطيبات ، فالملائكة وإن كانوا مواظبين على الاغتذاء بنور جلال الله والإغبار من نسيم روح الله إلا أنهم لم يبق لهم فترة فى هذه الحالة ولا انتقال من هذه الدرجة.
وأما الحيوانات العجم فحالهم بالنسبة إلى هذه اللذات كحال الفقراء المواظبين على الفقر والضر والبؤس والمسكنة ، ولم يبق لهم انتقال من هذه الأحوال الموذية إلى أحوال طبيعية ، فلا جرم لا يتألمون بتلك الأحوال التى هم عليها.
وأما الإنسان (١٩ فتارة يصير غرقا فى ظلمات علل الأجسام ، وتارة يتخلص منها إلى أنوار عالم القدس وسبحات سرادقات الجلال ، وينتقل تارة من الشدة إلى الرخاء ، واخرى من الياس إلى الرجاء ، فإذا انتقلوا من الظلمة إلى النور ومن الحجاب إلى الوصول عظم التذاذهم بذلك ويحصل لهم من اللذات والسعادات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (٢٠.
وهاهنا دقيقة أخرى ، وهى أن فى حق البشر إذا حصل الحضور بعد الغيبة كان ذلك الالتذاذ فى غاية القوة ، ثم إذا حصلت الغيبة بعد (١) الحضور مع علم العقل [ما فى الحضور والمشاهدة من السعادة (٢١] كان ذلك الألم فى غاية القوة ، فإذا تعاقبت هاتان الحالتان حصلت هناك آلام ولذات مختلفة مشبهة بالدغدغة الروحانية ، وهذا النوع من السعادة
__________________
(١) المخطوطة : بغير