فى الزبد ، فوجب ان يكون بياض المنى لهذا السبب ، ويتأكد ما ذكرناه ان المنى اذا ضربه البرد رق وزال بياضه مع ان البرد اولى بالتكثيف ، وذلك يدل على ان بياضه انما كان لاجل ما اختلط به من الاجزاء النارية والهوائية ـ فلما (١) ضربه البرد فارقته تلك الاجزاء النارية والهوائية ، فزال بياضه.
اذا عرفت هذا ، فنقول : انه تعالى قدر ان الأجزاء الارضية والمائية الموجودة فى المنى يجعلها مادة للاعضاء ، والاجزاء الهوائية والنارية يجعلها مادة للارواح ، إلا ان تلك الاجزاء اللطيفة والكثيفة يكون مختلطا بعضها ببعض فى اوّل الأمر الا ان الجنسية علة الضم ، فتنضم الاجزاء اللطيفة بعضها الى بعض ، والاجزاء الكثيفة بعضها الى بعض.
ولما كان اللطيف سريع التحلل والتلاشى اقتضت الحكمة الالهية ان جعل تلك الاجزاء اللطيفة فى الوسط ، وجعل الاجزاء الكثيفة كالصوان لها ـ وعند ذلك يصير الكل كالكرة المستديرة ، ويكون باطن تلك الكرة مملوا من تلك الاجزاء اللطيفة الهوائية والنارية ، ويكون ظاهرها مؤتلفا من الاجسام الكثيفة ، وذلك هو الموضع الّذي اذا استحكم وكمل كان قلبا ، فلهذا السبب قال اهل العلم بالتشريح : اوّل الاعضاء الانسانية تكونا هو القلب (٣٣ ، واخرها موتا هو القلب.
إذا ثبت هذا فنقول : لما كان القلب أول الأعضاء تكونا ، وكان القلب هو المجمع لتلك الأجزاء التى منها تتكون الأرواح ، ودلت التجارب الطبية على أن المتعلق الأول للنفس هو الروح ، لزم أن يكون
__________________
(١) المخطوطة : فكما