فترك مملكته وسافر إلى موضع لم يعرف أحدا إلى أين ذهب واشتغل بنفسه فهذا هو الطريق فى هذا الباب.
(الفصل الثالث عشر)
(الورقة ٢٨٨ و) بيان العلاج لكراهة الذم
اعلم أن أفعال أكثر الخلق موقوفة على ما يوافق رضى الناس رجاء المدح وخوف الذم ، وطريق علاجه من وجوه :
الأول ـ ان الصفة التى يمدح الإنسان بها إما أن تكون موجودة أو معدومة ، فإن كانت موجودة فإما أن تكون موجبة للمدح فى نفس الأمر أو لا تكون موجبة ، فإن كانت موجودة وكانت موجبة للمدح وجب أن لا يحصل الفرح بهذا المدح لوجوه :
أحدها ان ذلك انعام من الله تعالى يوجب الشكر ، والظاهر أن الإنسان لم يقم لشكره كما ينبغى ، فهذا الإنسان يجب أن يكون خوفه من التقصير عن القيام بشكر الله بتلك النعمة يمنعه عن الفرح لحصولها خوفا من أن العواقب غير مستقرة ، فلعلها تزول ، فوجب أن يكون خوف زوالها مانعا عن الفرح بها وبحصولها.
وثانيها وهو ان فرحك بمدح هذا المادح مما يذهلك عن ذكر الله تعالى ، فإن كان حصول تلك الصفة توجب الفرح فحصول العائق عن ذكر الله تعالى يوجب الغم ، والفرح إذا أوجب الغم كان وجوده مفضيا إلى عدمه.