فثبت أن ذلك الشيء المحكوم عليه بأنه هو الحليفة ، يجب أن يكون عالما بأحوال عالم الاجسام متصرفا فيها ، ويجب أن يكون هو بعينه عالم الغيوب وأسرار الملكوت ، فالإنسان جوهر واحد موصوف بجميع هذه الصفات ومجموع البدن ليس كذلك ، وليس فى البدن عضو واحد ، موصوف بكل هذه الأمور ، فوجب القطع بأن جوهر الإنسان فى ذاته أمر مغاير لمجموع هذا البدن لكل واحد من أعضائه وابعاضه.
ولنختم هذه الدلائل القرآنية البرهانية بوجه اقناعى اعتبارى ونثبت أن صريح العقل شاهد بانا نضيف كل واحد من هذه الأعضاء إلى أنفسنا ـ فنقول : يدى ورجلى وقلبى ودماغى ، والمضاف غير المضاف إليه.
فعلمنا أن النفس شيء مغاير لهذه الأعضاء ـ فإن قالوا : فقد نقول أيضا : نفسى وذاتى (الورقة ٢٦٨ و) وهذا يقتضي أن تكون نفس مغايرة لنفسه وهو محال.
وجوابه أن النفس قد يراد بها المعنى المشار إليه بقوله «أنا» وقد يراد به الجثة المحسوسة ، والهيكل المشاهد.
أما النفس بالمعنى الأول فصريح العقل شاهد بأنه لا يمكن اضافته إلى نفسه ، فإنه لا يمكن اضافة المعنى المشار إليه «بأنا» إلى غير ذلك المعنى.
وأما النفس بالمعنى الثانى فيمكن اضافتها إلى المعنى المشار إليه «بانا» لأن هذه الجثة كالمملكة لذلك المعنى المشار إليه «بأنا»