الثالث أن حفظ المال صعب عسير وما لم يصرف الإنسان كل جهده إليه لم يبق محفوظا ، وانصراف قلبه إلى هذا المهم يمنعه عن الاشتغال بذكر الله تعالى ، لأنه (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (٨.
الفصل الثالث
فى الحرص والبخل
الحرص هو السعى التام فى تحصيل المال عند عدمه أو عند قلته.
والبخل (١ هو السعى التام فى إمساكه عند وجوده ، فحب المال حاصل فى الأمرين ، إلا أن حب الجمع والتحصيل هو الحرص ، وحب الابقاء هو البخل.
إذا عرفت هذا ، فنقول : لحب المال سببان (٢ : أحدهما ان المال سبب القدرة والقدرة كمال. والكمال محبوب لذاته ، والمفضى إلى المحبوب محبوب فالمال محبوب (٣ ، الثانى ان المال يقتضي دفع الحاجة ، ودفع الحاجة مطلوب ، والمفضى الى المطلوب مطلوب ، والفرق بين هذين الوجهين ظاهر ، فان الشيخ المريض المشرف على الموت إذا كانت معه اموال عظيمة خارجة عن حصره ، فإذا اخبر فى هذه الحالة انه سرق ماله او أغير عليه فانه يتأذى بذلك مع علمه بأنه لا فائدة له فيه ، وليس هذا التأذى لاحتياجه إليه لأنه عالم بانه يموت غدا ، فدل ذلك على أنه انما تأذى لأنه بخيل ، إنه زالت قدرته بسبب القدر الّذي زال من ماله ، وزوال القدرة زوال الكمال ، وزوال الكمال نقص مغوض لذاته.