على تعب هذه الحرفة ، قلنا انما اتخذنا لطلب المال ، فاذا قلنا : ولم طلبنا المال؟ قلنا : لنقدر به على تحصيل اللذات ، فاذا قلنا : لم طلبنا اللذات؟ (قلنا) : بل قضى عقلنا أن اللذة مطلوبة بذاتها ، فكذا (١) أيضا الكمال مطلوب لذاته.
واذا تقررت هذه المقدمة فنقول : الكمال إما ان يعز فى الذات او فى الصفات. اما الكمال فى الذات فهو ان يكون واجبا لذاته من حيث غير قابل للعدم والفناء بوجه البتة إلا ان تحصيل هذا الكمال محال لأن الشيء إما ان يكون واجبا لذاته أو لا يكون ، فان كان واجبا لذاته كان الوجوب للذات (٢) حاصلا. والحاصل لا يمكن تحصيله وإن لم يكن واجبا لذاته ، امتنع ان ينقلب واجبا لذاته ، وما يمتنع وجوده لا يكون مطلوبا.
فثبت أن الكمال الحاصل بسبب الوجوب الذاتى ممتنع ان يكون مطلوبا ، بل الممكن لذاته لا يصير موجودا الا بسبب غيره ، وكلما كان موجودا لغيره كان واجب الوجود عند وجود ذلك الغير ، فيكون ذلك الغير هو الّذي به يتم وجوب وجوده. ولما كان وجوب الوجود محبوبا بالذات ، فما يكون سببا لذلك الوجود يكون أيضا محبوبا ، فلهذا المعنى كل ما كان سببا لوجود الشيء ولبقائه على افضل احواله الفاضلة كان محبوبا بالذات ، وكل ما كان سببا لعدم الشيء فى نفسه ولعدم أحواله الفاضلة كان مكروها بالذات.
__________________
(١) المخطوطة : فكذى
(٢) أيضا : الذات