أشرف الأمكنة اعلاها ، فوجب أن يكون مكان العقل هو الدماغ ، وهو بمنزلة الملك العظيم الّذي يسكن القصر العالى ، وأيضا الحواس محيطة بالرأس ، وكأنها خدم للدماغ واقفة حوله على مراتبها.
وأيضا محل الرأس من البدن محل السماء من الأرض ، وكما أن السماء منزل الروحانيات ، فكذلك الدماغ وجب أن يكون مسكنا للعقل.
والجواب عن الحجة الأولى من وجوه :
الأول لا نسلم أن منبت العصب هو الدماغ ، قوله الاعصاب فيه كثيرة وقوته عند الدماغ ، وقلته (١) وضعفه عند القلب ، ولا يفيد مطامعكم إلا إذا ضممتم إليها مقدمة أخرى ، وهى أن الكثرة والقوة إنما تكون عند المبدأ والقلة (٢) والضعف عند المنتهى ، الا أنا نقول : هذه المقدمة غير برهانية بل هى منقوضة من وجوه :
الأول أن العصبة المجوفة فى العين تكون دقيقة عند المنشأ ، فإذا وصلت إلى قعر العظم الّذي فيه تتكون الحدقة ، غلظت هذه العصبة واتسعت. وهذا نقض على هذه المقدمة.
الثانى ان الجثة التى يتولد منها ساق الشجرة تكون اضعف بكثير من ساق الشجرة ، فلم لا يجوز ان العصبة (٣) الصغيرة التى فى القلب كالجثة التى منها انشعبت الاعصاب الكثيرة فى الدماغ.
الثالث : لو صح كلام جالينوس لوجب ان يقال : ان مبدأ
__________________
(١) المخطوطة : وقلبه
(٢) أيضا : الغفلة
(٣) أيضا : العصب