حاجة إليه فى هذا المقام البتة.
وأما المقام الثانى وهو مقام الاستدلال والّذي يدل على توجه النفس وجوه :
الأول إن الغضب عند بقائه يحدث عند محاولة دفع المنافى ، وطلب الملائم مشروط بالشعور بكون الشيء ملائما ومنافيا.
فالقوة الغضبية التى هى قوة دافعة للمنافى (١) على سبيل الاختيار والقصد ، لأن القصد إلى الجذب تارة وإلى الدفع أخرى ، مشروط بالشعور بالشيء ، فالشيء المحكوم عليه بكونه دافعا للمنافى على سبيل الاختيار لا بد وأن يكون من وجه له شعور وبكونه منافيا ، والّذي يغضب لا بد وأن يكون هو بعينه مدركا ، والّذي يشتهى لا بد وأن يكون بعينه مدركا. فثبت بهذا البرهان أن الادراك والغضب والشهوة صفات ثلاثة لذات واحدة لا أنها صفات متباينة فى محال مختلفة
الحجة الثانية أنا إذا فرضنا جوهرين مستقلين يكون كل واحد منهما يستقل بفعله الخاص ، امتنع أن يكون اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا للآخر من الاشتغال بفعله الخاص به.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : لو كان محل الفكر جوهرا ومحل الغضب جوهرا ثانيا ومحل الشهوة جوهرا ثالثا (٢) وجب أن لا يكون اشتغال القوة الغضبية بفعلها مانعا للقوة الشهوانية من الاشتغال بفعلها ولا بالعكس ، لكن التالى باطل ، فإن اشتغال الإنسان بالشهوة والصبابة
__________________
(١) المخطوطة : للمبانى
(٢) أيضا : ثانيا