إليها يمنعه من الاشتغال بالغضب والانصباب إليه وبالعكس ، فعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة ليست مبادئ مستقلة بل هى صفات مختلفة لجوهر واحد ، فلا جرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الأفعال مانعا له عن الاشتغال بالفعل الأخر.
الحجة الثالثة أنا إذا ادركنا شيئا فقد يكون الإدراك سببا لحصول الشهوة ، وقد يصير سببا لحصول الغضب ، فلو كان الجوهر المدرك مغايرا للذى يغضب والّذي يشتهى ، فحين أدرك صاحب الإدراك لم يكن ولا خبر عند صاحب الشهوة ولا عند صاحب الغضب ، فوجب أن لا يترتب (١) على هذا الإدراك إلا حصول الشهوة ، وهو حصول الغضب وحيث حصل هذا الترتيب علمنا أن صاحب الإدراك بعينه هو صاحب الشهوة ، وهو أيضا صاحب الغضب.
الحجة الرابعة : حقيقة الحيوان أنه جسم دون نفس ، حساسة متحركة بالإرادة ، فالنفس لا تمكن أن تتحرك بالإرادة إلا عند حصول الداعى ، ولا معنى للداعى إلا الشعور بخير يرغب فى تحصيله ، أو شر يرغب فى دفعه ، فهذا يقتضي أن يكون المتحرك (٢) بالإرادة هو بعينه حاسا بالخير والشر والمؤذى والمضر.
فثبت بما ذكرنا أن النفس الإنسانية شيء واحد ، وثبت أن تلك النفس هى المبصرة والسامعة والشامة والذائقة واللامسة ، وهى الموصوفة بعينها بالتخيل والفكر (الورقة ٢٦٣ ظ) والتذكر وتدبير البدن واصلاحه.
__________________
(١) المخطوطة : لا ترتب
(٢) أيضا : المحرك