وأعلم ان الأقوال النبوية دالة على أن النفوس البشرية قد تكون (الورقة ٢٧٥ ظ) مختلفة بالماهية (١ ـ قال عليهالسلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة (٢ ، وقال : النفوس جنود مجندة (٣ ، وقال فى الكتاب الالهى : فطرة الله التى فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله» (٤.
والّذي يدل على أن النفوس الناطقة قد تكون مختلفة بالماهية والحقيقة هو انا نرى الإنسان قد يكون مجبولا على الشر والنذالة ، ولو أن ذلك الإنسان يحمل من المجاهدات ما لا يمكن الزيادة عليه لم يتغير أصلا عن طبيعة الإيذاء ، بل قد يصير بسبب المجاهدة أو بسبب الزواجر أن يترك تلك الأفعال فلا يقدم عليها ، فأما لو ترك بنفسه مع مقتضى أصل جبلتها فإنها تميل إلى ذلك الشر ، وأيضا ربما انتقل مزاجه من الحرارة إلى البرودة ومن الرطوبة إلى اليبوسة وبالعكس ، ويكون مقتضى أصل خلقته ما فيه ولا يتغير.
وأيضا قد يكون الإنسان بخيلا بمقتضى أصل الفطرة ، ثم أنه لو صار ملك الأرض وملك خزائن الدنيا ، فإنه لا يزول عن جوهر نفسه ذلك البخل ، وقد يكون جوادا بمقتضى أصل الفطرة ـ فلو صار مع ذلك أفقر الخلق ثم وجد قليلا من المال فإنه لا يزول عن جوهر فطرته ذلك الجود.
فلما رأينا هذه الأحوال الأصلية لا تنتقل ولا تتبدل الامزجة ولا باختلاف المعلمين (علمنا) أنها من لوازم الماهية الأصلية ـ فأما إذا رأينا انسانين متساويين فى الجود والبخل والسرقة والقوة وغيرها من الصفات ، فهذا لا يدل على تساوى تيك النفسين فى تمام الماهية ،