إذا عرفت هذا فلننتقل إلى إثبات المقدمة الثانية وهى أنه لما كان الأمر كذلك لم يكن النفس هذا البدن ولا شيئا من أجزائه.
أما أن النفس يجب أن لا يكون جملة هذا البدن فلأنا علمنا بالضرورة أن القوة الباصرة غير سارية فى جملة أجزاء البدن ، وكذا (١) القوة السامعة والذائقة والشامة ، وكذا (٢) القول فى القوة الفكرية والذكرية والمتخيلة وكذا (٣) القول فى الشهوة والغضب. والعلم بأن هذه القوى غير سارية فى جميع أجزاء البدن ، علم بديهى اولى بل هو من أقوى البديهيات واجلها واجلاها.
وأما أن النفس يجب أن لا يكون عبارة عن شيء من أجزاء هذا البدن ، فالدليل عليه أنا نعلم بالضرورة أنه ليس فى البدن جزأ واحدا هو بعينه موصوف بالأبصار ولا بالسماع وبالذوق وبالفكر وبالذكر ، بل الّذي يتنادى فى أول الأمر إلى الخاطر أن الابصار مخصوصة بالعين وكذا (٤) القول فى سائر الإدراكات وسائر الأفعال.
وإما أن يقال أنه حصل فى البدن جزء واحد ، ذلك الجزء هو مخصوص بكل هذه الادراكات ، وكل هذه الأفعال. فالعلم الضرورى حاصل بأنه معدوم ، فثبت أن النفس الإنسانية شيء واحد موصوف بهذه الإدراكات وبجملة هذه الأفعال ، فثبت بالبداهة (٥) أن جملة البدن ليس كذلك ، وشيء من أجزاء البدن أيضا ليس كذلك ، فحينئذ يحصل اليقين ان النفس شيء مغاير لهذا البدن ولكل (٦) واحد من أجزائه ،
__________________
(١) المخطوطة : كذى
(٢) المخطوطة : كذى
(٣) المخطوطة : كذى
(٤) المخطوطة : كذى
(٦) المخطوطة : كذى
(٥) أيضا : بالبديهة