لما ثبت أن الأشياء المختلفة لا يمتنع اشتراكها فى اللوازم الكثيرة ، فعلى هذا لا يمكننا القطع يتماثل شيء من النفوس بل يبقى الاحتمال فى أصل الكل.
احتج من قال بتماثل النفوس البشرية فى الماهية بأن قال لا شك أنها متساوية فى كونها نفوسا ناطقة ، فلو اختلفت بعد ذلك فى أمر آخر دار بها (١) ، لكان ما به المشاركة غير ما به الممايزة ، فيلزم وقوع التركيب فى ذات كل واحد من هذه النفوس.
وكل مركب فإنه جسم ، فالنفس الناطقة جسم ، هذا خلف.
واعلم أن هذه الحجة ضعيفة لوجوه :
الأول أنه لا معنى لكونها نفوسا إلا أنها امور مدبرة لهذا (٢) البدن ، وكونها مدبرة لهذا البدن وصف إضافى عرضى ـ فلم لا يجوز أن يقال جوهر النفس مختلف فى تمام ذواتها ، وإنما اشتراكها فى هذه الصفة العرضية الخارجية ، وعلى هذا التقدير لا يلزم وقوع التركيب فى ماهياتها ، فإن البسائط الموجودة المختلفة بتمام ماهياتها مشتركة فى كونها موجودة ومذكورة ومعلومة ولم يلزم وقوع التركيب منها.
الثانى سلمنا أن النفوس البشرية متساوية فى صفة ذاتية ، ثم أنها مختلفة أيضا فى صفة ذاتية فلا نزاع انه يلزم كونها مركبة فى ماهياتها ، فلم قلتم أن هذا التركيب محال.
أما قوله كل مركب جسم فهو مما لم يثبت بالبرهان ، والّذي
__________________
(١) المخطوطة : دلرها
(٢) أيضا : لهذه