بوجودها. إذ لو لم يكن لها وجود لافتقر جزم الذهن فى كل قضية إلى الاستعانة بغيرها ، فيلزم إما الدور وإما التسلسل.
القسم الثانى : وهو الّذي لا يكون مجرد تصورها موجبا جزم الذهن فيها بالنفى والاثبات. وهى العلوم المكتسبة النظرية ، فثبت أنه لو لا هذه الحواس لما تمكنت النفس من تحصيل المعارف البديهية ولا النظرية. ولذلك قيل : من فقد حسا فقد علما ، فهذا بيان معونة الحواس فى تكميل جوهر النفس ، وأما معونتها فى تكميل جوهر البدن وذلك لأنا لما بينا أن البدن بكونه حارا رطبا يكون أبدا فى التحليل والذبول ، ولأجل هذا السبب يحتاج إلى ايراد بدل ما يتحلل عنه ، ولا بد من التمييز بين ما يكون ملائما وبين ما يكون منافيا.
فهذه الحواس لها معونة فى أن يحصل للإنسان وقوف على ما ينفعه ويضره ، فحينئذ يشتغل بجلب المنافع ودفع المضار ، فهذا بيان معونة الحواس فى تكميل جوهر البدن.
وأعلم ان السعى فى إصلاح مهمات جوهر النفس ، وذلك لأن النفس إنما دخلت فى هذا العالم الجسمانى لتكتسب العلم النافع والعمل الصالح ، وكل آلة النفس فى هذا الاكتساب هو هذا البدن ، وما لم تكن الآلة صالحة لم يقدر المكتسب على الاكتساب ، فثبت ان الاشتغال بإصلاح مهمات البدن سعى فى إصلاح مهمات النفس.
المثال الثانى : القلب فى البدن كالوالى وقواه وجوارحه بمنزلة الملك والقوة العقلية المفكرة (٣ كالمشير الناصح ، والشهوة كالعبد (١) الّذي يجلب الطعام إلى المدينة ، والغضب كصاحب الشرطة ، ثم إن
__________________
(١) المخطوطة : كالعبيد