اشتغال النفس فى ذلك ألم اخر ، وما كان كذلك فليس من السعادات ولا الكمالات البتة.
الثانى أن الشيء كلما كانت الحاجة إليه أشد كان الالتذاذ به أقوى إذا وجد وبالعكس ، كلما كانت الحاجة إليه أقل واضعف كان الالتذاذ به إذا وجد أقل ، ألا ترى انك رميت قلادة من الدر بين يدى الكلب لم يلتفت إليها ، إذ لا حاجة له بها ولو رميت إليه عظما قفز إليه واختطفه وقاتل عليه من ينازعه ، والإنسان بالعكس من ذلك فإنه يفرح ويهش لوجدان القلادة من الدر ويلتذ إما ليتزين بها أو لينتفع بثمنها. وإن طرح العظم عنده لم يلتفت إليه لعدم الحاجة إليه. فثبت أن اللذة والطلب على قدر الحاجة ، إلا أن الحاجة آفة ومحنة وبلية ، والشيء إذا لم يتم حصوله إلا بالبلاء والمحنة كان هو أيضا كذلك ، فثبت أن هذه اللذات الجسدانية كالحبيص المسموم فى أبدان تلتذ بحلاوته ، وهو وهم سم قاتل.
ولقائل أن يقول هذا الاشكال وارد عليكم فى اللذات الروحانية ، إلا أنا نقول الجواب عنه سيأتى.
الثالث : هذه اللذات بتقدير أن تكون فى أنفسها لذات الا أن الالتذاذ بها لا يحصل إلا حال حدوثها ، فإن استمرت لم يبق الالتذاذ بها فى استمرارها ، والسبب فيه أن اللذة يعتبر فى حصولها إدراك الملائم وانفعاله عنه وذلك لا يحصل إلا فى أول زمان الحدوث. أما بعد ذلك فهو حال الاستمرار والاستقرار ، وفى حال الاستقرار لا يكون الانفعال. فلا يحصل الشعور ، وإذا لم يحصل الشعور لا يحصل الالتذاذ.