الإمكان محوج إلى شيء معين فى نفسه ، وكل ممكن فهو محتاج إلى ذلك المعين فلا مؤثر الا الواحد.
ثم إن هؤلاء قالوا : الأرواح مغيرات لا أنها مؤثرات ، وقال آخرون الأرواح مؤثرة فى عالم الاجسام مدبرة لها متصرفة فيها ، ونصروا هذا القول بوجوه فلسفية وشيدوها برموز نبوية ، فإنه تعالى قال : فى صفة الملائكة : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) وقال : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥.
إذا ثبت هذا ظهر على كلى القولين أن عالم الأرواح متوسط بين العالم الالهى والعالم الجسمانى متوسطا لا بالحيز والجهة بل بالشرف والرتبة ، فهى من حيث أنها مؤثرة فى الجسمانيات (ما) كانت أدون منها. فلا جرم كانت هذه الدرجة متوسطة بين الدرجتين الاوليين.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الروحانيات (٦ مراتب ودرجات فأعلاها مرتبة وأجلها درجة الذين (الورقة ٢٦٠ ظ) يكونون مستغرقين فى نور جلال الربوبية استغراقا تاما بحيث لا يتفرغون مع ذلك الاستغراق لتدبير العالم الجسمانى ، فطعامهم التوحيد ، وشرابهم التفريد والتمجيد ، استغرقوا فى أنوار جلاله ولم يتفرغوا للشيء سوى الله وهؤلاء هم الملائكة المقربون ، وقد عبر الكتاب الالهى عن هذه المرتبة بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) الآية (٧.
ثم إن لهذا القسم من الروحانيات درجات فى العرفان لا نهاية لها ، ولا يعرفها إلا الله ، لأنا بينا أن أنوار جلال الله لا نهاية لها ، فكذلك درجات العارفين فى العرفان أيضا لا نهاية لها.