واما إذا صرف الإنسان ماله إلى مصارف الخيرات بقى له الثناء الجميل فى الدنيا والثواب الجزيل فى العقبى.
الثامن أن شركاء البخيل فى صفة البخل هم البخلاء الأشقياء المذمومون المهانون ، ولو كان جوادا سخيا كان شركاؤه فى ذلك الأنبياء والأولياء وأفاضل الحكماء وأكابر الناس.
التاسع الاستقراء دل على أنه تعالى يفتح أبواب الرزق والراحة والرحمة على الأسخياء ، أما البخلاء فانهم يكونون أبدا فى الضيق والضنك والشدة وظلمة القلب ، واكثر الامر يتفق لهم بذلك انفاق (١) اكثر اموالهم دفعة على رغم آنافهم ؛ والسبب فيه أن الأسباب الكلية متوجهة إلى إيصال النفع والخيرات إلى المحتاجين ، فمن كانت حرفته هذه الحرفة كانت تلك الأسباب الكلية معاضدة له ، ومن كان بالضد كان على مضادة الأسباب الكلية.
العاشر أن السخى يكون ممدوحا محمودا عند الكافة ، والبخيل مبغوضا (١١ ممقوتا ؛ فالسخى بذل المال ووجد عرضه ملك الارواح ؛ والبخيل أمسك المال فبقى محروما عن ملك الارواح ، ولما كانت الارواح البشرية من جوهر الملائكة ، وكان الذهب والفضة من جنس الجمادات كان التفاوت كثيرا.
وأيضا فهاهنا سبب آخر وهو أن السخاء لما كان محبوبا عند الخلق فهم يعنونه على تحصيل مهماته ، والبخيل اذا كان مبغوضا بقى محروما عن تلك الإعانة ، وإعانة الخلق له فى تحصيل مطالبه سبب ظاهر لكثرة
__________________
(١) المخطوطة : «... انفاق بذلك ...»