من غيره وأعلى منه وأشرف ، لكن كون كل واحد منهما أعلى من الآخر محال ، فلهذا السبب لا بد وأن يقع بينهما التنازع الشديد والتحارب التام ، وقد عرفت أن المنازعة سبب لحصول الخوف والغم والوحشة ، وأيضا فهذان المتساويان إن صار أحدهما مرجوحا فقد تألم قلبه جدا ، لأن حصول المرجوحية مكروه بالذات ، وذلك مولم للقلب ، وإن صار راجحا تألم قلب ذلك المرجوح ـ ثم إن ذلك المرجوح يسعى بأقصى ما يقدر عليه على إزالة (١) تلك المرجوحية ، لكن زوال مرجوحيته يوجب زوال راجحية الراجح ، وذلك مكروه له بالذات. فذلك الراجح يخاف من زوال تلك الصفة عنه ، وذلك الخوف موجب للألم ، فثبت أن الإنسان ان حضر مع من يساويه فإنه لا ينفك عن الغم والحسرات (٢) ـ وأما إن كان مرجوحا بالنسبة إلى غيره فالمرجوح كلما نظر إلى الراجح فرأى ما معه من الرفعة والبهجة والسرور ، وجد نفسه محروما عنها ، فلا شك أنه تشتعل نيران (الورقة ٢٧٩ ظ) الحسرات (٣) فى قلبه ـ وأيضا فالراجح يجعل المرجوح نصيبا للموحشات وهدفا للموذيات ، وكل ذلك مما يغم القلب. فثبت أن الإنسان سواء كان أكمل من الغير أو مساويا له أو أنقص منه ، فإنه لا ينفك البتة من الغم والحسرة وتوحش الصدر وألم القلب.
الموجب الرابع من موجبات الغم والحزن انه لا يشك أن الإنسان له عقل يهديه وهوى يرديه ـ والهوى الّذي يرديه له أعوان
__________________
(١) المخطوطة : على ان ازالة الخ
(٢) أيضا : الخسران
(٣) أيضا : الخسران