الحسية البدنية ، إلا أن الإنسان تنتقص عليه هذه اللذات بسبب حصول القوة العقلية ، فإن العاقل إذا تأمل فى الماضى ، فذلك الماضى إن كان لذيذا طيبا تألم قلبه بسبب فواته ، وإن كان منافيا مؤذيا تألم قلبه بسبب تذكره ـ وإن تأمل فى الحال فهو لا يرضى بما كان حاصلا بل يطمع (١) نفسه إلى الزيادة عليها ، وإن تأمل المستقبل لم يعرف أن حاله فى المستقبل كيف يكون فيستولى عليه الخوف الشديد ، فثبت ان الحيوانات الخسيسة مشاركة للإنسان فى اللذات الحسية البدنية إلا أن الإنسان تنتقص (٢) عليه تلك اللذات بسبب العقل وساير الحيوانات لا تنتقص (٣) عليها ولا تفتكر فيها لكونها فاقدة العقل.
ومعلوم أن حصول الكمال بشرط الخلو عن التنقيص (٤) يكون أشرف من حصوله مع الكد والنقص (٥) ، وذلك يدل على أن هذه اللذات الحسية البدنية لو كانت (الورقة ٢٧٦ ظ) موجبة لكمال الحال لكان الإنسان اخس من النمل والدود والذباب ، ولما كان هذا التالى باطلا ، علمنا أن هذه اللذات الحسية موجبة للغبطة والسعادة.
الحجة الرابعة أن هذه اللذات الحسية إذا بحث عنها فهى ليست لذات (٣ بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام ـ والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان التذاذه بالاكل اتم ، وكلما كان الجوع أقل
__________________
(١) المخطوطة : يطمح
(٢) أيضا : تتنغص
(٣) أيضا : تتنغص
(٤) أيضا : التنغيص
(٥) أيضا : مع المكد والمنغص