لم يبق بينها وبين الشظايا العصبية فرق البتة ـ وعلى قولنا تبقى هناك ، إلا أن تلك العروق المتصغرة جدا إذا رجعت من الدماغ متوجهة إلى اسفل البدن اشبهت فى الحس بالخيوط الصغيرة المضمومة بعضها إلى بعض ـ ويتولد من مجموع تلك الخيوط الصغيرة هذه الاعصاب المخصوصة المحسوسة ، فهذا الاحتمال لا يبطل البتة بما ذكره جالينوس.
وأما قوله الثانى فهو أيضا ضعيف ، لأن الأرواح القلبية كما صعدت إلى جوهر الدماغ فى تلك الشرائين المتصغرة جدا ، وبقيت فى ذلك الجوهر تغيرت تلك الشرائين عن طبائعها بسبب نفوذها فى جوهر الدماغ واختلاطها بذلك الجوهر ، ثم كانت الطبيعة محتاجة إلى أعداد آلة لا يصال تلك الأرواح الدماغية من الدماغ إلى أسفل البدن ، فحينئذ لم يبعد أن تجدها الطبيعة آلات لهذا الفعل الثانى بخلاف الجزء النازل من الشرائين إلى اسفل البدن ، فإنها ما اتصلت بعضو أخر يغيرها عن طبائعها ، وما حصلت فى أسفل البدن حاجة تقتضى إيجاد تلك الشظايا الشريانية آلات لتلك ـ يظهر الفرق بين الصورتين ، فهذا تمام كلام أرسطو على دليل جالينوس فى أن منبت العصب الدماغ.
ثم أحتج أصحاب أرسطو على أن منبت العصب هو القلب ، بأن قالوا أن الحركة الإرادية لا بد وأن تكون بآلة صلبة قوية ، والدماغ ليس بجرمه شيء من الصلابة.
أما القلب ففيه أنواع من الصلابة : منها أن لحمه شديد قوى صلب أصلب من سائر اللحوم ،