من موضع آخر ـ فثبت ان الشرائين والاعصاب متشاركة فى هذه الصفات ، وذلك يدل ظاهرا على أن جوهر الشرائين من جنس جوهر العصب.
المقدمة الثالثة : وهى فى بيان انه لما كان الأمر كذلك لم يبعد أن يقال : الاعصاب إنما تولدت من الشرائين.
وبيانه أن هذه الشرائين إنما صعدت من القلب إلى الدماغ ، إما لا يصال الدم إلى جوهر الدماغ ، أو لا يصال الروح إليه ـ وعلى التقديرين ، فإن تلك الشرائين الصاعدة لا بد وأن تنقسم وتنشعب وتدق وتصغر وتنتهى فى تشعبها وتصعدها إلى الشظايا (٣٨ اللينية الشعرية ، فعند هذه الحالة لما وصلت إلى قعر الدماغ وأماكن هذه النافذة (٣٩ لم يبعد ان تلف العروق اللينية الشعرية بعضها على بعض ، وتضم أجزاء بعضها على البعض ، وتحصل على صورة شكل الاعصاب ، ثم تحصل نازلة من الدماغ إلى أسفل البدن ، وتستعمل تلك الشظايا فى فعل آخر ، وهو ايصال الأرواح الدماغية إلى اقاصى البدن ، ولا سيما والحكماء والاطباء اتفقوا على مقدمة وهى ان الطبيعة متى امكنها الالتقاء بالآلات القليلة لم تعدل عنها إلى اعداد الآلات (١) الكثيرة ، فبهذا الطريق صارت الشرائين أعصابا.
ولما كان منبت العروق هو القلب وجب أيضا ان يكون منبت الاعصاب هو القلب بهذا الطريق الّذي ذكرناه ـ وهذا قول ذهب إليه طائفة عظيمة من أصحاب أرسطاطاليس.
أجاب جالينوس عن هذا الكلام من وجهين : الأول :
__________________
(١) المخطوطة : آلات