والتحميد (١) بسبب ما فيه من العقل ، ويكون اشتغالهم بهذا (٢) الخير أكثر من اشتغالهم وإقدامهم على ذلك الشر ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير (١٢ ، فلأجل هذا وجب فى الحكمة إيجاد هذا القسم.
وثالثها أن الملائكة القدسية والمعارف الإلهية حاصلة للملائكة لكن الشوق إلى الحق غير حاصل لهم ، ومقام الشوق مقام شريف ، فوجب فى الحكمة إدخال الطبيعة البشرية فى الوجود تحصيلا لهذا المقام.
وبيان أن الشوق (١٣ غير حاصل للملائكة ، إن الشوق لا يتصور إلا إلى شيء صار مدركا من وجه غير مدرك من سائر الوجوه ، فإن الّذي ما أدركه الإنسان بوجه من الوجوه لم يشتق إليه ، وأما الّذي أدركه بكماله وتمامه فإنه لا يشتاق إليه ، لأن الشوق طلب ، وطلب الحاصل محال.
غير أن الشوق إلى المحبوب يقع على وجهين :
أحدهما أنه إذا راه ثم غاب عنه بقى فى خياله آية تلك الصورة المحبوبة ، فاشتاق الروح أن ينقل الأثر من عالم الخيال إلى عالم الحس.
وثانيهما أن يرى وجه محبوبه أى ذاته ، لكنه ما رأى باقى محاسنه فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره.
إذا عرفت هذا ، فنقول : أما الوجه الأول من الشوق فذلك إنما يمكن فى حق من يدرك شيئا ، ثم يغيب عنه ، وهذا فى حق الملائكة
__________________
(١) فى المخطوطة : التوحيد
(٢) أيضا : لهذا