والصون عن الذوبان ، لما ذكرنا أن الفيض عام والتخصيص محال ، فإذا كان الأمر كذلك وثبت حصول الذوبان والانحلال فى جميع الأجزاء البدنية فيندفع (١) هذا السؤال.
الحجة الخامسة المشار إليه لكل واحد بقوله «أنا» قد يكون معلوما له حال كونه غافلا عن جميع الأجزاء الجسدانية الظاهرة والباطنة ، فإن الإنسان حال اهتمامه بمهم قد يقول «تفكرت» و «سمعت» مع أنه يكون حال تكلمه بهذا الكلام غافلا عن وجهه ويده وقلبه ودماغه وسائر أعضائه ، والمشعور به مغاير للمغفول عنه ، وإلا لزم أن يصدق على الشيء الواحد كونه مشعورا به غير مشعور به ، فيلزم اجتماع النقيضين فى الشيء الواحد وهو محال ، وهذا البرهان إنما يكمل بالعود إلى ما ذكرناه فى البرهان الثالث.
الحجة السادسة : أنا لما تأملنا فى أحوال النفس رأينا أحوالها بالضد من أحوال الجسم وذلك يدل على أن النفس ليست بجسم ، وتقريره من وجوه :
الأول : إن كل جسم يحصل فيه صورة بعد صورة أخرى من جنس الصورة الأولى لا يحصل إلا بعد زوال الصورة الأولى عنه زوالا تاما ، مثاله أن الشمع إذا حصل فيه شكل التثليث فإنه يمتنع أن يحصل فيه شكل التربيع والتدوير إلا بعد زوال الشكل الأول عنه. ثم إنا وجدنا الحال فى قبول النفس تصور المعقولات بالضد من ذلك ، فإن النفس (التى) لم تقبل صورة عقلية يعسر قبولها لشيء من الصور العقلية ، فإذا قبلت صورة واحدة صار قبولها للصورة الثانية أسهل ،
__________________
(١) المخطوطة : فندفع