وأما التوجه إلى الافق الأسفل لأجل حصول الاستيلاء على العالم الجسمانى ، فهو وإن كان يوجب لذة فى الحال ، إلا أنه يوجب الألم العظيم بعد الموت ، فلهذا السبب أطبق العقلاء على أنه يجب على كل العقلاء أن يشتغلوا بتوجه الروح إلى العالم الأعلى ولصرفها عن العالم الأسفل ، فإن المتوجهين إلى عالم القدس وجدوا بقاء بلا فناء وعزا بلا ذل ولذة بلا ألم وأمنا بلا خوف.
إذا عرفت هذا ظهر ان النفوس (٨ على ثلاثة أقسام (١) :
فأعلاها درجة المتوجهين إلى العالم الالهى المستغرقين (٢) فى تلك الأنوار الصمدية والمعارف الالهية ، وهم المسمون فى القرآن تارة بالسابقين حيث قال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٩ وتارة بالمقربين حيث قال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (١٠.
والدرجة الوسطى هى النفوس التى لها التفات إلى العالمين ، فتارة تترقى إلى العالم الأعلى بالعبودية والخضوع ، وتارة تنزل إلى العالم الأسفل بسبب التدبير والتصرف ، وهم أصحاب الميمنة والمقتصدون.
والدرجة الثالثة هم المتوجهون إلى العالم الأسفل ، المتوغلون فى طلب لذاته ، وهم أصحاب الشمال والظالمون.
فالعلم الهادى إلى طريق المقربين هو علم الرياضة الروحانية ، والعلم الهادى إلى طريق أصحاب اليمين هو علم الأخلاق.
__________________
(١) المخطوطة : اقسام ثلاثة.
(٢) أيضا : المستغرقون