الفصل الثانى عشر
فى شرح ما فى اللذات الحسية من وجوه الذم والنقصان
اعلم أن الشيء قد يكون مذموما (١) لذاته وقد يكون مذموما لغيره ، واللذات الحسية مشتملة على الوجهين.
أما كونها مذمومة لذاتها فيدل عليه وجوه :
الأول وهو الأصل والعمدة فى الباب أن هذه اللذات ليست فى الحقيقة بلذات بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام (١ ، فإنه لا معنى للذة الأكل إلا دفع الم الجوع ، ولا معنى للذة الوقاع ، إلا لدفع المشتهاة (٢) بالمنى لما كثرت واحتفنت فى اوعية المنى أو جبت تمديد تلك الاوعية وحدوث دغدغة مولمة منها ، فاندفاعها يوجب زوال تلك الآلام. ولا معنى للذة الملابس سوى دفع الم الحر والبرد.
بل نقول : إن الإنسان إذا أراد قضاء الحاجة من البول أو الغائط فربما تعذر عليه ذلك لأسباب اضافية من خارج ، فحينئذ يعظم الماء بسبب أمثال هذه الفضلات ، ثم أنه بعد الالم الشديد إذا قدر على دفعها وجد لذة عظيمة وراحة تامة ، وكلما كان ألمه بإمساكها واحتقانها اشد كان التذاذه باندفاعها أشد وأكثر ، وذلك يدل على أن حاصل هذه اللذات دفع الآلام. إذا عرفت هذا ظهر لك هذه الأشياء التى يظن بعض الناس أنها لذات ليست بحقيقة بل هى سعى فى دفع الآلام و
__________________
(١) المخطوطة : مكرما
(٢) أيضا : المسماة