الحقيقة والاستغراق فى العبودية ، ألا ترى أنا ناكل ونشرب ثم نعول على فضل الله فى تحصيل الصحة ودفع الأمراض. فكذا (١) هاهنا نستعد لمحاربة الكفار ، ونعتقد أن الظفر والنصرة هو من الله ، وكذلك نحذر الشيطان (٣٧ ، ونعتقد أن المضل والهادى هو الله ، هذا ما اختاره الحارث المحاسبى ، وهو قول الكاملين الذين جمعوا بين رعاية قوانين الشريعة ومناهج الحقيقة.
إذا عرفت هذه (٢) المسألة فنقول : اختلفوا فى كيفية ذلك الحذر على ثلاثة أوجه :
قال قوم (٣٨ إذا حذرنا الله من العدو وجب أن يكون ذكر هذا الحذر أغلب الأشياء على قلوبنا ، وقال قوم إن هذا يؤدى إلى خلو القلب عن ذكر الله تعالى ، واشتغاله بالكلية بحرب الشيطان وحزبه ، وذلك عين مراد الشيطان ، بل ينبغى ان يجمع بين ذكر الله تعالى وذكر الحذر من الشيطان.
وقال المحققون (٣٩ : غلط الفريقان :
أما الأول فلأن من تجرد لمحاربة الشيطان ونسى ما سواها فقد غفل عن ذكر الله ، وذلك غاية غرض الشيطان ، وأيضا فالشيطان إنما يفر عن القلب لاشتماله على نور ذكر الله تعالى ، فإذا خلا القلب عن هذا النور استولى الشيطان عليه لا محالة فالتجرد لمحاربة الشيطان يوجب تقوية الشيطان على تخريب القلب.
__________________
(١) المخطوطة : فكذى
(٢) أيضا : هذا