أما الفرقة الثانية (٤٠ فقد شاركت الأولى ، إذ جمعت فى القلب ذكر الله تعالى وذكر محاربة الشيطان وبقدر ما يشتغل القلب بذكر غير الله يبقى محروما عن ذكر الله ، فالصواب أن يقرر العبد مع نفسه عداوة الشيطان ويترك هذا المعنى كالشيء المحروب عند النفس ، ثم يقبل بالكلية على ذكر الله تعالى ، ويعرض عن أن يخطر بباله أمر الشيطان ثم ان عند هذا الحال ان خطر أمر الشيطان بباله تنبه له ، وعند التثبت يشتغل بدفعه ، والاشتغال بذكر الله على هذا الوجه لا يمنع من التيقظ بل الوجل قد ينام وهو خائف من أن يفوته مهم عند طلوع الشمس فيلزم نفسه الحذر وربما انتبه فى اثناء الليل من قبل أن يطلع الفجر لما سكن فى قلبه من الحذر مع أنه بالنوم غافل عنه فاشتغاله بذكر الله كيف يمنع انتباهه؟ بل لهذه الواقعة مثال آخر ، وهو بئر (٤١ فيها ماء قذر اراد صاحبها أن يطهرها بإزالة ذلك الماء لينفجر منها الماء الصافى ، فالمشتغل بذكر الشيطان كالذى ترك فيها الماء القذر ، والّذي جمع بين ذكر الله وذكر الشيطان ، هو الّذي احتال حتى انفجر الماء الصافى ، ولكنه اختلط بالماء القذر.
والمصيب هو الّذي أخرج الماء القذر واستنبط الماء الصافى ، وهو المشتغل بذكر الله وبالجملة فلا حيلة فى دفع الشيطان إلا بذكر الله تعالى كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) (٤٢.
وإذا كان لا يندفع الشيطان إلا بالاشتغال عنه بذكر الله وجب إبقاء هذا الذكر حتى تكون السلامة والسلاح فى دفعه قويا ، وكلما كان التشاغل عن ذكر الله أقوى (١) كان السلاح أضعف ، وبالعكس إذا
__________________
(١) المخطوطة : اقل