الفصل الخامس
فى حقيقة البخل والجود
المال معد لأن يصرف فى المهمات (الورقة ٢٨٣ و) ، فالإمساك حيث يجب البذل بخل ، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير ، والتوسط بينهما هو المحمود ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (١ ، وقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٢.
فحاصل الكلام أن الّذي يجب بذله إذا لم يبذله فهو البخل ، ثم الّذي يجب بذله قسمان : واجب الشرع وواجب بالمروة ، فمن منع واحدا (١) منهما فهو بخيل إلا أن الّذي يمنع واجب الشرع فهو أبخل ، وهو كمانع الزكاة ومانع أهله وعياله النفقة ، والّذي يتمم الخبيث لا يطيب له أن يعطى من الطيب ، فهو أيضا بخيل. وأما واجب المروة فهو منع البر والمضايقة ، واستعمال المضايقة فى المحقرات فانها قبيحة ، ثم هذا الاستقباح يختلف باختلاف الأحوال والاعتبارات.
فالأول بسبب الفاعل ممن كثر ما له يستقبح منه ما لا يستقبح ممن يقل ما له ، وأيضا يستقبح من الرجل العاقل ما لا يستقبح من الصبى والمرأة ، ويستقبح من الحر ما لا يستقبح من العبد.
الثانى بسبب المضاف إليه فإنه يستقبح المضايقة مع الأهل والولد بما لا يستقبح المضايقة فيه مع الأجانب.
__________________
(١) المخطوطة : واحد