الحاضر قسما من تلك الإقسام الكثيرة الخارجة عن الحد والحصر من اللمحة الواحدة ، وهذا القدر القليل ما لا يتصوره العقل ، ولا يضبطه الحس والخيال ، فامتنع أن يحصل فيه الالتذاذ والابتهاج الحقيقى فى نفس الأمر ، وما سوى ذلك الآن الّذي لا ينقسم فبعضه ماض وبعضه مستقبل ، وكلاهما معدومان فى الحال ، فثبت أن هذه الأشياء التى تظن أنها سعادات فهى ليست كذلك فى أنفسها ، بل هى خيالات فاسدة وأوهام باطلة.
الثانى ، ان عادة الإنسان (الورقة ٢٧٩ و) ان كل ما كان حاصلا له وموجودا بالفعل عنده فإنه لا يلتذ به ولا يميل قلبه إليه ، بل لا يلتذ إلا بوجدان المفقود وطلب المعدوم ، فعلمنا أن الإنسان لا يلتذ بما كان حاصلا فى الحال ، وأما المستقبل اما (١) يوافقه أو يخالفه ، وإذا كان كذلك ، لم نكن ننظر (٢) فى المستقبل الأشياء للخوف الشديد والفزع التام ـ فثبت بما ذكرنا أن الازمنة ثلاثة ـ الماضى والحال والمستقبل.
ونظر الإنسان فى اى واحد منها كان يوجب الغم الشديد والحسرة والألم والنفرة ، والخوف الشديد ـ فثبت بما ذكرناه أن الإنسان لا ينفك عن الغم والحزن إلى هذه الأحوال.
الموجب الثانى من موجبات استيلاء الغم والحزن على الإنسان ، وذلك لأن الإنسان إما أن يعيش بحيث يكون مختلطا بالناس أو بحيث يكون منفردا عنهم.
__________________
(١) المخطوطة : واما المستقبل ما يوافقه او يخالفه
(٢) أيضا : لم يكن مطره فى المستقبل الاشياء الخ