والأوهام إلا أنها متناهية ، وحقيقة الأزلية غير متناهية ، ولا نسبة للمتناهى إلى غير المتناهى بوجه من الوجوه ، وعند هذا تعرف شمة من قولنا : أن العقول قاصرة عن اكتناه جلال الله تعالى ، إذا عرفت مثل هذا فى بقاء الله سبحانه فاعرف مثله فى معلوماته وفى مقدوراته وفى آثار حكمته.
فيثبت بما ذكرنا أن الشوق إلى الله تعالى مقام عال شريف المرتبة ، فهو أن كل ما كان لذيذا إذا بقى واستمر لم يبق لذيذا حال بقائه ، وكذا (١) إن كان مولما ، بل اللذة والألم لا يحصلان إلا عند الانتقال من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر (١٨ ، والله أعلم.
ولنضرب لهذا مثالا ، وهو أن أحوال الخلق بالنسبة إلى الأغذية اللطيفة اللذيذة على ثلاثة أقسام :
الأول : حال الملوك المتنعمين المتوسعين فى كل الأشياء اللذيذة الطيبة ، فإنهم لما واظبوا على أكلها اعتادوها ، فلا جرم لا يلتذون بها كغيرهم.
وأما القسم الثانى : الذين ما أكلوا إلا الأطعمة الخشنة البشعة ، ولم يتفق لهم البتة تناول الأطعمة الطيبة ولا الأشربة ولا الملابس وغيرها.
وأما القسم الثالث : الذين فى أكثر الأمر يأكلون الأطعمة الخشنة البشعة (٢) وقد يتفق لهم فى بعض الأوقات تناول الأطعمة اللذيذة الطيبة فهؤلاء (الورقة ٢٥٩ و) لما ذاقوا الطيبات ثم لم يجدوها اشتاقوا إليها ،
__________________
(١) المخطوطة : كذى
(٢) أيضا : الشبعة