وأهل النار ، لكان الحاصل من طيرانه وسيره متناهيا ، ولكان الّذي بقى خارج وصوله غير متناه (١) ، وإذا كان كذلك ، ظهر أن القسم الأول من الشوق إلى الله ربما زال فى الآخرة ، وأما القسم الثانى فإنه البتة لا يزول ، بل كلما كان السير أشد والتوغل أكثر كان الشوق أعظم والظمأ أكمل وأعظم.
فإن قال قائل : الحق فرد مطلق منزه عن جميع أنحاء التركيبات ، والفرد إن عرف عرف بتمامه وإلا فلم يعرف ، فكيف يعقل فى حقه ما ذكرتم؟
قلنا : إنا نضرب لتحقيق كلامنا مثالا واحدا حتى يقاس عليه الباقى.
فنقول : هذا العالم الجسمانى الّذي هو الآن موجود مركب من الأجزاء التى لا تتجزأ عند طائفة عظيمة من العقلاء فلو قدرنا أنه تعالى خلق بحسب كل جزء ولا يتجزأ من هذا العالم ألف ألف عالم مثل هذا العالم ، ثم قدرنا أن تلك العوالم امتدت حتى صارت فى الرقة إلى الغاية التى لا تبقى منها ثخانة ، بل يصير الكل كالسطح الّذي ليس له ثخن عند من يثبت الجزء الّذي لا يتجزأ ثم قدرنا أنه كتب كاتب تلك الورقة العظيمة من نقوش رقوم الهندسة وأخذنا بحسب تلك الرقوم فى مراتب السنين ، فالعقل يعلم أنه لا سبيل للعقل إلى ضبط مقادير هذه السنين ولا إلى ضبط القليل منها (١٦.
ثم إنا نعلم إذا قايسنا من هذه المدر المتطاولة بالنسبة إلى معنى الأزل (١٧ كانت تضاهيه ، لأنها وإن طالت وعظمت وخرجت عن ضبط العقول
__________________
(١) فى المخطوطة : غير متناهى