وإذا قبلت الصورة الثانية صار قبولها للصورة الثالثة ، (الورقة ٢٦٦ و) اسهل ، غير أن النفس لا تزال على صورة بعد صورة أبدا من غير أن تضعف فى وقت من الأوقات ، بل كلما كان قبولها للصور أكثر ، صارت الصفة المتقدمة أقوى وأكمل ظهورا ما قبل ذلك ، ولهذا السبب يزداد الإنسان فهما وادراكا ، كلما ازداد ارتياضا وتخرجا فى العلوم ، فثبت أن فعل النفس للصور العقلية على خلاف قبول الجسم للصور الحالة فيه ، وذلك يدل على أن النفس ليست بجسم.
الثانى أن المواظبة على الأفكار الدقيقة والتأملات العميقة لها أثر فى النفس وأثر (١) فى البدن.
أما أثرها فى النفس فهو إخراجها للنفس من القوة إلى الفعل ، وفى التعقلات والإدراكات ، وكلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل ، وذلك غاية كمالها ونهاية شرفها وجمالها (٢).
وأما أثرها فى البدن ، فهو أنه يوجب استيلاء النفس على البدن واستيلاء الذبول عليه وهذه الحالة (إن) استمرت لانتهت إلى الماليخوليا وموت البدن.
فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حياة النفس وشرفها وجمالها (٣) ، وتوجب موت البدن ونقصانه واختلاله ، فلو كانت النفس هى البدن لصار الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد سببا لكماله ونقصانه معا ولحياته وموته معا وذلك محال.
__________________
(١) المخطوطة : اثرا
(٢) أيضا : ولجلالها
(٣) أيضا : ولجمالها