كثيرة وهى الشهوة والغضب والحرص والحواس الظاهرة والباطنة.
أما العقل فليس له فى جوهر الإنسان صفة أخرى تقويه ، فكان العقل أضعف من الهوى لا محالة لهذا السبب ـ وأيضا فالإنسان من أول فطرته كان مطيعا للذات الحسية منقادا لها مقبلا عليها.
وأما نور العقل فلا يظهر فيه (إلا) بعد مدة من عمره ، وقالوا : العلم فى الصغر كالنقش فى الحجر ـ والحكماء قالوا : إن التكرير سبب لحصول الملكات العقلية ، وإذا كان كذلك كان انجذاب النفس إلى اللذات الحسية أكمل من انجذابها إلى اللذات العقلية ، ولا معنى للهوى إلا الانجذاب إلى اللذات الجسمانية والسعادات الحسية ، فثبت أن جانب الهوى راجح على جانب العقل رجحانا كثيرا.
إذا عرفت هذا فنقول : مقتضى ما ذكرناه أن يكون أغلب الأفعال الصادرة عن الإنسان يكون من مقتضيات الهوى ومن جنس الأفعال الذميمة ، ثم إن الإنسان بعد إقدامه عليها وفراغه منها ، وانصرافه عنها يبقى العقل فارغا عن منازعة الهوى ، فحينئذ يطلع الإنسان على قبحها وسخافتها ، واشتمالها على الوجوه الكريهة الذميمة ، ولكنه إنما يطلع بعقله على هذه القبائح بعد وقوعها وبعد وقوع الفعل لا يمكن دفعها ومنعها ، فلا يبقى مع الإنسان إلا الحسرة والندامة والخجالة.
ولما بينا إقدام الإنسان على مقتضيات الهوى هو الغالب الراجح بحكم ما قدمنا أن يكون بقاؤه فى الغم والحسرة هو الغالب الراجح ، وذلك يدل على أنه يجب أن يكون الإنسان فى أغلب أحواله ملازما للحسرات مقارنا للزفرات.