الموجب الخامس من موجبات الغم أن درجات السعادة والرفعة غير متناهية وتحصيل ما لا نهاية له محال ، ينتج أن حصول جميع الدرجات للإنسان محال ، وقد ثبت أن تكرير العقل موجب للملكة ـ فالإنسان كلما كانت مواظبته على اللذات الجسمانية أكثر ، كان ميله إلى ذلك الالتذاذ أكثر وأقوى ـ وكلما كان ميله إلى الالتذاذ أقوى كان طلبه لاستجذاب ما كان مفقودا أكثر ـ ولما كان تحصيل تلك المراتب التى لا نهاية لها محال لزم آخر الأمر أن يبقى الطلب الشديد المتأكد مع امتناع حصول المطلوب فى ذلك يوجب الألم الغذاء.
وثبت أن الميل إلى اللذات يوجب الآلام بتقدير حصولها ، وأما بتقدير عدم حصولها فحصول الآلام (١) أظهر ـ ولهذا السبب قال بعض الحكماء المحققين : من أراد أن يستغنى عن الدنيا بالدنيا كان كمن اطفأ (٢) النار بالتبن ، فثبت بهذه الوجوه (الورقة ٢٨٠ و) أنه يمتنع (٣) أن تكون لذات الدنيا خالية عن الغموم والهموم ، وكلها آلام وأسقام.
ثم إنك إذا تأملت فى أحوال الفقراء تفكرت فى أمورهم وما هم فيه من الإنكاد وتوجه الموذيات ، وقصد الأعداء ، وترادف الاحزان وجدتها بحرا لا ساحل له ، واللذة التى تحصل للإنسان تكون كالقطرة فى البحر ، فثبت بما ذكرناه أن اللذات الجسدانية مخلوطة بالآلام والاسقام والموذيات ، فلا جرم كانت مذمومة من هذا الوجه.
السبب الثالث من الأسباب الخارجية الموجبة لكون الدنيا مذمومة
__________________
(١) المخطوطة : الام
(٢) أيضا : طفى
(٣) أيضا : انه لا يمتنع