أما الأول ، فنقول : لا شك أن الموجب لحصول الجاه ليس إلا اظهار الفضيلة فمن أراد علاج هذا المرض فليترك إظهار تلك الفضائل التى بإظهارها يتوسل إلى اكتساب ذلك الجاه ، فإن لم ينفع ذلك فى هذا الغرض فليظهر أمورا يظن بها أنها اضداد تلك الفضائل ، فإن الضد الطارئ لا بد وأن يزيل الضد السابق.
وأعلم أنه كما يمكن إظهار ما ليس بفضيلة بحيث يظن به فى الظاهر أنه فضيلة كذلك يمكن إظهار ما يكون فى نفسه فضيلة بحيث يظن به فى الظاهر أنه رذيلة ، فإن من أكل الطعام الكثير مع إظهار الشره والضحك ومن أظهر التصفيق والرفض والعدو والتشبه بأفعال الصبيان والمجانين وكانت نيته فى تلك الأفعال إزالة حب الجاه واخلاص السر لله تعالى كانت تلك الافعال فى الحقيقة من أعظم الفضائل ، وإن كان يظن بها أنها من الرذائل ، كما أن من واظب على الصلوات والصيامات لقصد جلب قلوب الناس كانت تلك الأعمال فى الحقيقة من أعظم الرذائل ، وأن يظن بها أنها من الفضائل.
وأما القسم الثانى ، وهو أن يريد إزالة الجاه فى موضع لا يعرف بالجاه ، فهذا لا طريق إليه إلا أن يسافر الإنسان إلى بلد لا يعرفونه ولا يطلعون على أحواله ، ثم يخلط نفسه بالعوام ولا يأتى بفعل يميزه عن العوام ، ويدل على فضيلته ، فإذا فعل ذلك فقد يخلص عن آفات الجاه بالكلية.
ويقال ان كيخسرو (١) الملك لما ملك الأرض تاقت نفسه إلى العالم الالهى ، وعلم أنه لا سبيل إليه بالجمع بين الملك وذلك الأمر ،
__________________
(١) المخطوطة : كيخسرو