المقامين ، إذ كما أنّه يمكن أن يقال إنّ الشك في إرادة الظاهر من العام مسبّب عن الشك في صدور سند الخاص ، وإذا حكم الشارع بالصدور بمقتضى عموم صدّق العادل فيكون رافعا للشك تنزيلا ، فكذا في المقام ، إذ الشك في إرادة الظاهر في كلّ من الخبرين مسبّب عن الشك في صدور الآخر ، وحكم الشارع بالصدور موجب لرفع الشك ، إذ المفروض أنّه على فرض الصدور لا يمكن إرادة الظاهر في الآخر.
نعم ؛ هذا إنّما يتمّ في الظاهرين المحتاجين إلى تأويلين ، وأمّا في مثل العامّين من وجه ممّا يحتاج إلى تأويل أحدهما لا بعينه فلا حكومة ، إذ يمكن أن يكون الخبر الآخر صادرا ، وظهور هذا أيضا باقيا بأن يكون المأوّل نفس ذلك الآخر المحكوم بصدوره دون هذا ، لكن كلامه في المقام في الظاهرين المحتاجين إلى تأويلين.
الرابع : أنّ ما يظهر منه في المقام وغيره من جعل التعارض في الخبرين بين سند أحدهما ودلالة الآخر لا وجه له حسبما أشرنا إليه سابقا أيضا ، نعم علاج التعارض يمكن برفع اليد عن واحد من السند أو الظهور ، ومن المعلوم أنّ ما فيه التعارض غير ما به علاجه ؛ بل التحقيق أنّ التعارض إنّما هو في الدلالتين أولا ، وبتبعها يسري إلى السندين ؛ فهما متعارضان بلحاظ الدلالتين.
وحينئذ فإن كان أحدهما نصا أو أظهر لما (١) كان التعارض بين الدلالتين بدويا يرتفع بملاحظة أحدهما قرينة على الآخر ، فيرتفع بين السندين أيضا ، وفي الظاهرين يبقى بين دلالتيهما ، فيبقى بين السندين أيضا ، ويشملهما الأخبار العلاجيّة أو القاعدة العقليّة ، إذ يدخلان حينئذ تحت ما لا يمكن الجمع بينهما ، لدوران الأمر بين الأخذ بعموم السند أو بعموم دليل الظاهر ، وعلى بيانه من أنّ التعارض بين سند كلّ ودلالة الآخر يبقى الإشكال ؛ لما عرفت من حكومة دليل السند على دليل الظاهر ، فلا بدّ عليه من الأخذ بالسندين وطرح الدلالتين : إمّا بالأخذ بالتأويل البعيد أو الإجمال.
الخامس : أنّ ما يظهر منه من أنّه يؤخذ بالمعنى التأويلي للخبر الذي لا معارض له إذا كان ظاهرا مخالفا للإجماع ؛ مشكل ، إذ لو صار الإجماع قرينة على إرادة ذلك
__________________
(١) الظاهر زيادة «لما» هذه.