ثمّ ما اختاره من التوجيه خلاف صريح كلام المحقق كما عرفت ، مع أنّه قائل بالتخيير حتى في مورد لا تجري البراءة ، كالأخبار الواردة في حقوق الناس والفروج والدماء ونحوها .. ولا يمكن بأن يكون من جهة البراءة ؛ وهذا واضح.
ثمّ إنّ الحق من الوجوه المذكورة هو التخيير ؛ لأنّه مقتضي الجمع بين الأخبار المختلفة في المقام ، لأنّ الجمع بينها وإن كان يمكن بوجوه ، إلا أنّ وجهها أحد الثلاثة التي نتيجتها التخيير وتقديم أخباره.
بيان ذلك : إنّ هاهنا طوائف من الأخبار :
[الطائفة الأولى] :
منها : مرفوعة زرارة (١) الدالّة على الأخذ بالخبر الموافق للاحتياط بعد فقد المرجّحات ، ومع موافقتهما أو مخالفتهما له فالتخيير ، وعدّ هذه طائفة مستقلة بناء على كون الاحتياط المذكور فيها مرجعا أوليّا (٢) ، والتخيير مرجعا ثانويا بعد الأول ، وأمّا بناء على كون موافقة أحد الخبرين للاحتياط مرجعا (٣) له فهي من أخبار التخيير ، غاية الأمر أنّها زادت على المرجّحات مرجّحا آخر وهو الاحتياط الموافق لأحدهما.
[الطائفة الثانية] :
ومنها : ما دلّ على التخيير ؛ وهو أخبار :
منها : المرفوعة على الوجه الثاني.
ومنها : الخبر المروي في الاحتجاج (٤) عن الحميري عن الصاحب عليهالسلام في استحباب التكبير بعد التشهد في الركعة الثانية ، حيث قال عليهالسلام في ذلك حديثا .. إلى أن قال : «.. وبأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك».
والإشكال فيه من جهة أنّ وظيفة الإمام عليهالسلام ليس إلا بيان حكم الواقعة لا بيان
__________________
(١) عوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ ، حديث ٢٢٩.
(٢) في نسخة (ب) و (د) : أو لا.
(٣) في نسخة (د) : مرجّحا.
(٤) الاحتجاج : ٢ / ٣٠٤ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب السجود ـ الحديث ٨.