الأخبار لا نفسها ، وأمّا ما ذكره من المعارضة بين الطائفتين من الأخبار وأدلّة الأحكام ، فلا محصّل له ؛ مع أنّه ليس النسبة بينها وبين كلّ منها عموما مطلقا ، فإنّ قوله أكرم العلماء مثلا يقتضي وجوب إكرامهم ، وإذا كان معارضا بقوله لا تكرم العلماء ، وكان هو الأرجح فمقتضى أخبار الترجيح عدم العمل به ، وإن كانا متساويين فمقتضى أخبار التخيير التخيير ، فهو إمّا مشمول لهذه الطائفة أو لتلك ، ولا يمكن أن يكون مشمولا بكلّ منهما ، إذ لا يمكن أن يكونا تارة متقابلين ، وتارة متساويين ، حتى يقال إنّ النسبة بينها وبين كلّ منها عموم مطلق ، وبين المجموع تباين ، ثمّ إنّ هذا كلّه حال الجمع الدلالي أو العملي بالنسبة إلى أدلّة الاحكام.
وأمّا بالنسبة إلى أمارات الموضوعات ؛ فمن المعلوم عدم جريان الجمع الدلالي فيها ، فلا يمكن أن يحمل ظاهر إحدى البيّنتين المتعارضتين على ما يرجع إلى الأخرى إذا كانتا ظاهرتين ، إذ لا دخل لإحداهما بالأخرى ، والجمع في الأخبار إنّما كان من جهة أنّ جميع الأئمة بمنزلة متكلّم واحد ، نعم لو كان التعارض بين كلام اللغويين ، وكان كل واحد ناقلا عن الواضع ، بحيث رجع إلى الإخبار عنه ؛ أمكن الجمع الدلالي إذا كان المتعارضان ظاهرين.
وأمّا الجمع العملي فالحق أيضا عدم جريانه فيها ؛ لعدم الدليل ، ومنع اقتضاء أدلّة حجّيّتها العمل بها بقدر الإمكان ، ولو جعلنا من باب الموضوعيّة والسببيّة ؛ لأنّ العمل على وجه التبعيض ليس عملا بشيء منهما في الحقيقة ، حتى يشمله دليل وجوب العمل.
ولكن قد يقال : إنّه مقتضى القاعدة ، وينزّل عليه ما ذكره الفقهاء من تنصيف دار تداعياها ، وكانت فى يدهما وخارجة عنهما ، وأقاما بيّنة ، فإنّه من باب العمل بكل منهما في النصف ، وربّما يؤيد ذلك بما ورد من تنصيف الدرهم فيما لو أودعه رجل درهما والآخر درهمين ؛ مع تلف أحدها ، وقد يقال في تأييده : بأنّه غاية الميسور في العمل بها ، فإنّ الجمع بحسب الدلالة غير ممكن فيها ، بخلاف أدلّة الأحكام ، فإنّ الجمع الدلالي فيها ممكن ، فلا تضر المخالفة القطعيّة ، لأنّ الحقّ فيها لمّا كان لمتعدد فيتناسب التبعيض جمعا بين الحقّين ؛ بخلاف الأحكام ، فإنّ الحق فيها لواحد وهو