بالنسبة إلى الوجود لا في مثل المقام ؛ حيث إنّ المدلول المطابقي موجود ولا يؤخذ به ، بل الالتزامي فقط ، وهذا لا مانع منه ، فالممنوع إنّما هو مثل ما قيل في بيان صحة بعض العقود الجائزة ؛ بأنّه يشمله عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) الدال على وجوب الوفاء ؛ الذي لازمه الصحة ، وأنّه لا يحكم باللزوم من جهة الإجماع ، فإنّه تفكيك غير جائز ، إذ مع عدم إرادة الوجوب الذي هو مدلول مطابقي لا يمكن إرادة الالتزامي ، فإنّ المدلول المطابقي ـ على هذا التقدير ـ غير موجود ، وهذا بخلاف المقام ؛ حيث إنّه موجود ولا يؤخذ به ، فلا يلزم التفكيك الممنوع منه.
ويوجّه عدم نفي الثالث في الأصول بوجهين :
أحدهما : أنّه لا لسان لها بالالتزام ، بيان ذلك : إنّ شرب التتن في نفسه قابل للأحكام الخمسة ، وله في الواقع واحد منها ؛ فمع الجهل إذا قال الشارع ابن عملك على الاباحة فهو ليس في عرض الواقع ، حتى يكون نفيا لغيرها من الأحكام الأخر.
الثاني : أنّ الأصل المثبت ليس بحجّة ، وهذا اللسان الالتزامي من الأصل المثبت بخلاف الأمارات ؛ فإنّ إثباتها (٢) أيضا حجّة.
قلت : إن أراد أن المخبر بالوجوب أخبر حقيقة بشيئين ؛ ففيه :
أولا : أنّه لا يتم في جميع المقامات ؛ فكثيرا ما يكون اللازم المذكور من اللوازم البعيدة الغير المتبادرة من اللفظ ، بحيث يكون المخبر ملتفتا إليه ، ومخبرا به.
وثانيا : أنّ الإخبار به إنّما هو بتبعيّة الإخبار بملزومه ، ودائرة مداره ، ومع عدم الأخذ به لا يمكن الأخذ باللازم ؛ فالإخبار بالوجوب وإن كان إخبارا بنفي الإباحة إلا أنّه إنّما يؤخذ به إذا أخذ بالوجوب ، لأنّه لم يكن مستقلا في الإخبار به ، وإذا لم يشمله قوله صدّق العادل كيف يمكن الحكم به ، فهو نظير المفهوم التابع للمنطوق ، فإنّه إذا طرحنا الخبر بالنسبة إلى منطوقه من جهة وجود المعارض ، لا يبقى له مفهوم بعد ذلك ؛ لأنّه ليس مدلولا مستقلا ؛ بل تابع للمنطوق ، فمقام الاعتبار يرجع إلى مقام الوجود ، إذ مع عدم الأخذ بالخبر بمدلوله المطابقي لا يبقى الالتزامي ، ووجود
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) المقصود : المثبتات منها حجة.