ويؤخذ بهما ليلزم التفكيك الممنوع ، فالأخذ بالمطابقي إنّما هو بمقدار إثباته لهما لا من حيث هو ، فالمخبر به الواحد يؤخذ به ، ويترك كلّ من جهة ، وذلك كما في جريان الأصل العملي في موضوع واحد بلحاظ دون آخر ، كما إذا خرج منه شيء لا يدري أنّه بول أو منيّ ، فإنّه يحكم بعدم خروج المني بلحاظ إثبات جواز الدخول في المسجد أو اللبث فيه (١) ، ولا يحكم به بلحاظ جواز الدخول في الصلاة ، لمكان معارضته من الحيثيّة الثانية بعدم خروج البول ، فهذا الموضوع الواحد محكوم بعدمه وغير محكوم ؛ كلّ بلحاظ.
وكذا في الإقرار بالزوجيّة من أحد الزوجين مع إنكار الآخر ؛ فإنّه تثبت الزوجيّة من طرف المقرّ ، ولا يحكم بثبوتها من الطرف الآخر (٢) .. وهكذا في سائر النظائر ، والفرق بين المقام وبين عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) بالنسبة إلى العقود الجائزة يظهر بالتأمّل.
هذا ؛ ولكنّ الإنصاف أنّ هذا الوجه أيضا مشكل ، وذلك لأنّ التفكيك المذكور إنّما يعقل فيما إذا اختلفت الآثار والحيثيّات ، كما في الزوجيّة وخروج المني حتى يقال إنّه ثابت بلحاظ أثر دون الآخر ، وفي مثل المقام ليس كذلك ؛ فإنّ الوجوب المخبر به عين عدم الإباحة من جهة ، فلو حكم بعدمها ولم يحكم بثبوته ، يلزم الأخذ بالوجوب من الحيثيّة التي لم يؤخذ به (٤) ، فإنّ المفروض أنّ ذلك العدم إنّما يجيء من قبل الحكم بالوجوب ، فلا يمكن الحكم به مع عدم الحكم به ، وهذا بخلاف الزوجيّة ؛ فإنّها محكومة بها بلحاظ مغاير للحاظ عدم الحكم بها ؛ فتدبّر!.
والتحقيق : أن يقال ـ على فرض إمكان شمول الدليل لكلّ منهما على الوجه
__________________
(١) بنحو أنّه مع اشتراط شرائط في تحقق المني وشككت في تحقق بعضها فالأصل العدم ويترتب عليه عدم الحكم بكونه منيا ، أو يشك في جواز الدخول أو اللبث في المسجد مع الشك في كون الخارج منيّا فالأصل عدم خروج المني وبه يحكم بجواز الدخول حتى يثبت المانع عنه.
(٢) وهذا من غرائب الفقه مع موافقته لصنعته ؛ وعليه فلو ادعت الزوجة الزوجيّة وجب عليها التمكين ولم يجز لها الخروج من داره إلا بإذنه وكذا بالنسبة للولد ، لكن الزوج بلحاظ أنّه منكر للزوجيّة فلا يجوز له وطؤها ؛ لأنّها أجنبيّة بالنسبة له ، والمسألة مشكلة جدا.
(٣) المائدة : ١.
(٤) المقصود لزوم أخذ الوجوب من الحيثيّة غير الموجبة له.