وأمّا لو قلنا بالتخيير الأخذي فتبتني المسألة على أنّ اختيار أحد الخبرين هل هو من تتمة الاستنباط والاجتهاد ، وأنّه لم يتحصل للمجتهد دليل معتبر إلا بعد أخذ أحدهما؟ أو أنّه بعد ما فهم أنّ الشارع حكم بالتخيير في صورة التعادل ، وأنّهما متعادلان فقد تمّ اجتهاده وبقي العمل ، فيكون حاله حال من ترجّح عنده أحد الخبرين ، أو وجد خبرا بلا معارض في أنّه تمّ اجتهاده وبقي عمله ، كما أنّه على الأول ـ بعد الأخذ ـ يصير مثل من كان عنده خبر بلا معارض ، وقبله لا حجّة له فأخذه يجعل الخبر حجّة ؛ غاية الأمر أنّه قبل الأخذ له أن يأخذ كلّا منهما بعنوان الحجيّة ، فلهما هذه الشأنيّة ، لا أنّهما حجّتان بالفعل ، فعلى الأول لا يكون المقلّد مخيرا إلا (١) أنّ الحكم الشرعي بعد لم يتحقق للمجتهد حتى يقلّده العامي ، ولا يجب (٢) التقليد في الأصول خصوصا فيما يتعلّق بالاستنباط ممّا ليس وظيفة للعامي أصلا.
وعلى الثاني ؛ فيمكن أن يقال إنّه مخيّر ؛ لأنّ المفروض أنّه إذا بنى على أنّ الخبرين المتعادلين حكم الشارع بالتخيير بينهما فيكون فارغا عن الاجتهاد ، ويجب عليه العمل ، والمقلّد شريك معه في مقام العمل ، نظير ما لو تعيّن عنده خبر.
ويمكن أن يقال : إنّ التخيير بينهما مسألة أصوليّة ، ولا يجوز التقليد فيها فلا يجوز الإفتاء بالتخيير وإن تمّ الاجتهاد وبقي العمل ؛ إذ المفروض أنّ الواجب هو الأخذ بأحدهما.
ودعوى أنّ التخيير في المسألة الأصوليّة مستلزم للتخيير في المسألة الفرعيّة فيفتي بالتخيير من هذه الجهة لا بلحاظ أنّه مسألة أصوليّة.
مدفوعة بمنع الاستلزام ؛ فإنّه وإن صدق عليه قبل اختيار أحدهما أنّه من جهة أنّه مخيّر في الاختيار فتخير (٣) في مفادهما أيضا ، وهو التخيير في المسألة الفرعيّة إلا أنّه من قبيل التخيير في إدخال نفسه في كل من الموضوعين ، فيلحقه كل من الحكمين ، وهذا ليس تخييرا ، فهو نظير كون المسافر مختارا في الإقامة والعدم ،
__________________
(١) في نسخة (ب) بدل كلمة «إلا أنّ» كتب «لأنّ».
(٢) في نسخة (ب) و (د) : ولا يجوز.
(٣) في نسخة (د) : فمخيّر.