بعد أيضا (١).
ثمّ إنّ ما ذكرنا من أنّ مقتضى القاعدة يتخير (٢) في المقامين أي في التكاليف والحجيّة في صورة وجود المقتضي بالنسبة إلى كلا الواجبين (٣) أو كلا الخبرين أو الأمارتين إنّما هو إذا كان الوجوب أو الحجيّة من قبل الشارع.
وأمّا إذا كان أصل الوجوب أو الحجيّة من باب حكم العقل فلا يكفي وجود المقتضي في الحكم بالتخيير كما إذا فرضنا اشتباه القبلة بين جانبين أو أزيد أو الساتر الطاهر بين ثوبين أو أزيد ، وكان الاحتياط بالجمع متعذرا فإنّ العقل الحاكم بوجوب أحدهما بعد حكمه ـ في صورة عدم العجز ـ بوجوبها (٤) لا يحكم بالتخيير إلّا مع التساوي أي تساويهما (٥) من حيث الظن بالواقع ، وإلا فمع كون أحدهما مظنونا والآخر موهوما يحكم بوجوب اختيار المظنون وإن لم يدل دليل على اعتبار ذلك الظن ، ولذا إذا فرضنا أنّ العقل يحكم بوجوب العمل بالأخبار مثلا عند انسداد باب العلم في واقعة أو في جميع الوقائع ، وتعارض خبران وكان أحدهما مظنون المطابقة فإنه يحكم بتعيينه ، ولا يبني على التخيير بناء على حكمه به إلا بعد التساوي والسر في ذلك أنّ حكمه بالتخيير إنّما هو من جهة أنّه غاية المقدور (٦) في إدراك الواقع الذي يحكم بوجوب إدراكه مع الإمكان.
فإذا كان أحد الطرفين مظنون المطابقة فهو متعيّن في نظره من حيث إنّ المناط فيه (٧) آكد ، فإذا حكم بوجوب الصلاة إلى أربع جهات ـ مثلا ـ من حيث إنّ إدراك الواقع واجب في نظره ، فمع التعذر يحكم أيضا بالتخيير من حيث إنّه (٨) القدر الميسور في إدراكه ، ومن المعلوم أنّه إذا كان ملاك حكمه الاحتياط مهما أمكن فلا بدّ
__________________
(١) قد مرّ في ص ١١٩ ، ١٢٧ ، ١٣٩ ، وسيأتي في ص ٣٣٨ وما بعدها.
(٢) في نسخة (د) : التخيير.
(٣) في نسخة (د) : الوجهين.
(٤) في نسخة (ب) و (د) : بوجوبهما.
(٥) لا توجد كلمة «التساوي أي» في نسخة (د).
(٦) في نسخة الأصل : المقدار ، وما أثبتناه هو من النسخة (ب) ، وفي (د) : في غاية المقدور.
(٧) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة (ب).
(٨) جاء بعدها في نسخة (ب) : المقدور و...