ممّا لا ريب فيه شرعا ، وهو لا يكون إلا بعد ثبوت الترجيح شرعا.
قلت : هذا الاحتمال ـ مضافا إلى بعده في نفسه حيث إنّ ظاهر التعليل كونه إرشادا إلى ما هو المعلوم ، وإن كان إنشاء بالنسبة إلى وجوب الأخذ به ، يعني أنّ المشهور ممّا لا ريب فيه من حيث هو ، فيجب الأخذ به كما إذا قال خذ بقول زرارة لأنّه ثقة ؛ فإنّه ليس المراد أنّه (١) جعلته موثوقا به ـ ينافيه الاستشهاد بحديث التثليث ، إذ الظاهر من الاستشهاد أنّ الخبر المشهور من قبيل الحلال البيّن ، ومن بيّن الرشد من حيث هو ، والخبر الشاذّ من قبيل المشتبه من حيث هو.
ومنها : تعليل طرح الخبر الموافق للعامّة بأنّ فيه التقيّة ، كما في قوله عليهالسلام «ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة» (٢) ، أو ب «أنّ الرشد في خلافهم» (٣) ، فإنّ من المعلوم أنّ القضيّتين غالبيّتان ؛ لا دائميّتان ، فيكون المراد أنّه يجب طرح (٤) الموافق ؛ لأنّه يحتمل كونه تقيّة ؛ لأنّ الغالب فى «ما سمعتم منّي يشبه قولهم» التقية ، أو لأنّه يحتمل كونه خلاف الحق ، لأنّ الغالب كون الحق في خلافهم ، فيدلّ بمقتضى عموم التعليل على وجوب الأخذ بما لا يتطرق إليه هذا (٥) الاحتمال عند الدوران.
ولا ينافي ما ذكرنا كون الحمل على التقيّة من الجمع الدلالي في الحقيقة ، بناء على وجوب التورية على الإمام عليهالسلام ؛ وذلك لأنّ الاستدلال إنّما هو بالتعليل المذكور لا بمجرّد عدّه ممّا يجب معه التقديم ، حتى يقال إنّه جمع دلالي لا ربط له بمقامنا ، فاندفع بذلك ما قيل في مقام الإيراد على الاستدلال المذكور من أنّ وجه تقديم الخبر المخالف للعامّة :
إن كان هو التقيّة فالترجيح بها يخرج عن مورد الكلام من الترجيح السندي ، بل هو داخل في الترجيح الدلالي ـ بناء على وجوب التورية على الإمام عليهالسلام في مقام التقيّة وعدم جواز الكذب مع إمكانها ـ لأنّه على هذا يكون الخبران متساويين من
__________________
(١) في نسخة (د) : أنّي.
(٢) التهذيب : ٨ / ٩٨ ، عنه الوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٦.
(٣) الكافي : ١ / ٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ١٩.
(٤) لا توجد كلمة «طرح» في نسخة (د) بل كتبت كلمة «الأخذ» ثمّ شطب عليها.
(٥) جاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : بما لا يتطرق إليه مثل هذا الاحتمال.