تغليب جانب الحرمة على جانب الوجوب ؛ للاستقراء ، فإنّ الشارع في موارد الدوران بينهما قدّم الأول كما في أيّام الاستظهار (١) ، واستعمال الماء المشتبه بالنجس (٢) وغيرهما ؛ ولأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، وفي الأول منع كما بيّن في محلّه (٣) ، وفي الثاني أنّ هذه القاعدة مسلّمة ؛ إلا أنّ موردها ما إذا كانتا معلومتين ودار الأمر بينهما ، وليس المقام كذلك ، لاحتمال كذب كلا الخبرين ، مع أنّ (٤) الواقع ـ على تقدير صدق أحدهما ـ فليست المفسدة معلومة ، ومجرّد احتمالها لا يوجب الدفع.
ولذا لا نقول بالاحتياط في الشبهة البدويّة التحريميّة ، مع أنّها أولى بالوجوب من المقام ؛ لعدم معارضة المفسدة المحتملة بالمصلحة المحتملة ، نعم المفاسد الأخرويّة يجب دفعها مع الاحتمال أيضا ، إلا أنّ الاحتمال مدفوع بأنّ الشارع إذا رخّص في الارتكاب ـ بمقتضى الأصول ـ فهو يتدارك المفسدة الواقعيّة على فرضها ، فمورد القاعدة في الأحكام الشرعيّة ما إذا دار الأمر بين ترك واجب معلوم أو ارتكاب حرام معلوم ، مع إمكان المنع في هذا المورد أيضا ؛ لأنّ الأحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة في الأفعال ، بل يمكن أن تكون المصلحة في الجعل والتشريع ، فليس المعلوم من المفسدة على تقدير العلم بالتكليف إلا العقاب ؛ وهو مشترك بين الواجب والحرام ـ تركا وفعلا ـ وهذه القاعدة غير تامّة في الاحتمالين المجرّدين عن الخبر مع العلم الإجمالي بأحدهما ، فضلا عن المقام الذي ليس فيه علم إجمالي.
وما ذكرنا في الجواب عنها أولى ممّا ذكره في الرسالة (٥) في باب أصل البراءة من
__________________
(١) وهو ممّا استفيد من لسان الشارع من أصالة بقاء الحيض وحرمة العبادة وقد أفتى السيد المؤلف قدس سرّه على طبق ذلك فراجع العروة الوثقى ؛ كتاب الطهارة / باب الحيض ، مسألة رقم ٢٣ وبالترقيم العام ٧٢٣.
(٢) وقد أجاب الشيخ في الرسالة عنه بإرجاعه للنص : وسائل الشيعة : ١ / الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، حديث ١٤.
(٣) قد أوضح هذا مفصلا في رسالته «اجتماع الأمر والنهي».
(٤) هكذا في النسخ ، ويحتمل سقوط كلمة أو أنّ العبارة هكذا : مع أنّه الواقع ...
(٥) فرائد الأصول : ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨.