ورمقه الإمام بطرفه فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار :
« بل على كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، واجتهاد رأيي ».
إنّ مصدر التشريع في الإسلام إنّما هو كتاب الله وسنّة نبيّه ، وعليهما يجب أن تسير الدولة ، وليس فعل أبي بكر وعمر من مصادر التشريع ، بالاضافة إلى أنّ عمر قد خالف أبا بكر في سياسته المالية ، وأوجد نظام الطبقية ، فقدّم بعض المسلمين على بعض في العطاء ، وحرّم المتعتين ؛ متعة الحجّ ومتعة النساء ، وكانتا مشروعتين في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر ، فعلى أيّ المنهجين يسير ابن أبي طالب؟
إنّ ابن عوف إنّما شرط عليه ذلك لعلمه أنّ الإمام لا يستجيب له ، وأنّه لو تقلّد الخلافة لساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ، ولم يمنح الاسر القرشية أي امتياز ، وساوى بينهم وبين المسلمين.
إنّ امتناع الإمام من إجابة عبد الرحمن تدلّ على مدى واقعيّته ؛ فإنّه لو كان من هواة الملك وعشّاق السلطان لأجابه إلى ذلك ، ثمّ يسلك في سياسته حسب ما يراه ، فإن عارضه ابن عوف بعد ذلك فيلقيه في السجون.
وعلى أيّ حال ، فإنّ عبد الرحمن لمّا يئس من الإمام التفت إلى عثمان زعيم الأمويّين فشرط عليه ذلك فأجابه بلا تردّد ، وفيما أحسب أنّ هناك اتّفاقا سرّيا على ذلك لحرمان الامّة من حكم الإمام ... ويرى بعض المؤرّخين من الافرنج أنّ عبد الرحمن استعمل طريقة الانتهازية والخداع ولم يترك الانتخاب يجري حرّا.
وبادر ابن عوف بعد أن استجاب له عثمان فصفق بكفّه على يديه ، وقال له :
اللهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان ....
ووقعت بيعة عثمان كصاعقة على القوى الخيّرة التي جهدت على أن تسود كلمة الله في الأرض ، وراح الإمام يندّد بابن عوف قائلا :
« والله! ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما ـ لعلّه يعني أبا بكر