وأدّى نبي الرحمة صلىاللهعليهوآلهوسلم رسالة ربّه إلى عباده كاملة مشرقة ، فأنقذهم بعد اللّتيّا والتي من مآثم هذه الحياة فحرّر العقول ، وأيقظ النفوس ، وفتح لها آفاقا كريمة من الوعي والتطوّر ، وأمدّها بجميع وسائل النهوض والنمو في جميع مناحي حياتها الاجتماعية والاقتصادية ، فما أعظم عائدته على الإنسانية جمعاء ..
وقد عانى صلىاللهعليهوآلهوسلم في أداء رسالة ربّه جميع صنوف المحن وألوان الخطوب من فراعنة قريش ، اتّهموه بأنّه ساحر ومجنون وكذّاب ، وأغروا صبيانهم بإلقاء الحجارة عليه ، وعذّبوا من آمن به بأقسى ألوان العذاب ، وقد استشهد من تعذيبهم ياسر وسميّة ، واضطرّت طلائع المؤمنين به إلى الهجرة من ديارهم إلى الحبشة ..
وبعد موت حاميه وناصره أبي طالب أحاطوا بداره شاهرين سيوفهم ليمزّقوا جسده الطاهر ، ففرّ منهم بعد أن ترك أخاه وابن عمّه الإمام أمير المؤمنين في فراشه ، وقد نجا منهم بلطف الله تعالى وتسديده ، فهاجر إلى يثرب واتّخذها عاصمة له ، فقامت قيامة القرشيّين وورمت آنافهم وامتلأت قلوبهم غيظا ، فجهّزوا الجيوش لإطفاء نور الإسلام ، فكانت واقعة بدر وأحد وغيرهما ، ولكنّ الله تعالى ردّ كيدهم ، ونصر نبيّه نصرا عزيزا ، وفتح له فتحا مبينا ، فخضعوا صاغرين له ودخلوا في دين الإسلام مكرهين مرغمين لا عن إيمان وبصيرة بما يحمله هذا الدين من القيم الكريمة ، والمبادئ الرفيعة ، فقد اترعت نفوسهم بآثام الجاهلية وفسوقها.