وعلى أي حال فإنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد أن أدّى رسالته الخالدة بدت عليه امارات الرحيل من هذه الدنيا إلى الفردوس الأعلى ، وكانت تتكرّر عليه مؤذنة له بالسفر إلى الله تعالى ، وكان منها ما يلي :
أوّلا : إنّ القرآن الكريم نزل عليه مرّتين بعد أن كان ينزل عليه مرّة واحدة ، فاستشعر من ذلك حضور الأجل المحتوم منه (١) ، وأخذ ينعي نفسه ، ويشيع ذلك بين المسلمين ، وقد أحاط بضعته الطاهرة سيّدة نساء العالمين بانتقاله إلى حضيرة الخلد قائلا :
« إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني به في هذا العام مرّتين ، وما أرى ذلك إلاّ اقتراب أجلي ... » (٢).
وذابت نفسها شعاعا ، وودّت مفارقة الحياة ولم تسمع هذه الكلمات من أبيها.
ثانيا : نزل الوحي على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذه الآية : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (٣) ، وكانت هذه الآية إنذارا له بمفارقة الحياة ، وأثارت في نفسه كوامن الألم ، وسمعه المسلمون يقول :
« ليتني أعلم متى يكون ذلك؟ ».
ثالثا : نزلت عليه سورة النصر ، فشعر منها بدنو أجله ، وكان يسكت بين التكبير والقراءة ويقول :
« سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه » ، وذهل المسلمون من ذلك ،
__________________
(١) الخصائص الكبرى ٢ : ٣٦٨.
(٢) البداية والنهاية ٥ : ٥٢٣.
(٣) الزمر : ٣٠ و ٣١.