قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١) ، السّرّاء والضرّاء إشارة إلى حالي السعة والضيق ، كاليسر والعسر ، وإلى حالي السرور والاغتمام ، وقد فسّر بهما (٢) ، واللفظ يتناولهما ، فإن السراء يقابلها الغم ، والضراء يقابلها النفع ، فأخذ اللفظان المختلفا التقابل ليدل كل واحد على مقابله ، وهذا من دقائق إيجازات البلاغة (٣) ، فمن نظر إلى معنى السراء قال السرور والغم ، ومن نظر إلى معنى الضراء قال النفع والضر ، ولما كان الناس في الإنفاق أربعة أضرب : ضرب لا ينفق في حالي السّعة والضيق ، وهو اللئيم على الإطلاق ، وضرب ينفق في حال الضيق دون السعة ، كما قال الشاعر :
وكان غنيّ النفس في حال فقره |
|
فصار فقيرا في الغنى خيفة الفقر (٤) |
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٤.
(٢) انظر : تفسير جامع البيان (٧ / ٢١٣ ، ٢١٤) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٢٥٩ ، ٣١٢) ، والمفردات ص (٥٠٤) ، والقاموس المحيط ص (٥٢١).
(٣) يسمّى هذا الضرب من البلاغة بالاحتباك ، وهو من المحسنات البديعية المعنوية. قال الجرجاني : «الاحتباك وهو أن يجتمع في الكلام متقابلان ، ويحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه ، كقوله : (علفتها تبنا وماء باردا)». انظر : التعريفات ص (٢٩ ـ ٣٠).
(٤) البيت في مجمع البلاغة للراغب (١ / ٣٤٨) ولم ينسبه.