وضرب ينفق في السعة دون الضيق ، وهو من وجه جبان يخاف الفقر ، ومن وجه حازم يأخذ بالوثيقة في أمور الدنيا ، وضرب ينفق في الحالين ، وذلك أحد رجلين : إما متهوّر لا يتفكر في العواقب ، ولا يبالي من أين يأخذ وأين يضع ، وذلك هو الموصوف بأنه من إخوان الشياطين (١) ، وإما واثق بكفاية الله ينفق ما يحصل في يده اعتمادا على خزائن ربه ، لكن لا يتناول إلا من حيث ما يجب وكما يجب ، ولا يضع إلا كذلك ، وهو الذي يتناول كل آية مدح فيها المنفقون (٢). وكظم الغيظ : هو الحلم (٣) ، فقد قيل : الحلم (٤) : كظم الغيظ ، وهو والعفو منزلتان شريفتان ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «من كظم الغيظ وهو يقدر أن
__________________
(١) كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧].
(٢) فرق الإمام ابن القيم بين الجواد والمسرف بقوله : «والفرق بين الجود والسرف : أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه ، والمسرف مبذر ، وقد يصادف عطاؤه موضعه ، وكثيرا لا يصادفه ... فالجواد يتوخى بماله أداء الحقوق على وجه الكمال ، طيبة بذلك نفسه ، راضية مؤملة للخلف في الدنيا والثواب في العقبى ... بخلاف المبذر ، فإنه يبسط يده في ماله بحكم هواه وشهوته جزافا لا على تقدير ، ولا مراعاة مصلحة ، وإن اتفقت له». الروح ص (٥٢٤ ، ٥٢٥).
(٣) كظم الغيظ هو تجرّعه وحفظ النفس من إمضائه. انظر : جامع البيان (٧ / ٢١٤) ، ومجمل اللغة ص (٦٢٤) ، والمفردات ص (٧١٢).
(٤) قال الراغب : الحلم : ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب. المفردات ص (٢٥٣).