منه تعالى ومجازاته إياهم إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا في الدنيا تارة وفي الآخرة تارة ، على ما بينه تعالى بكلامه ، وشوهد من أحكامه ، فنبهنا على اعتبار ما جرى به سننه ، وأمرنا بالسير في الأرض والنظر إليه (١) ، ولم يعن بالسير السعي بالأرجل ، ولا بالنظر نظر العين ، فذلك غير مغن بانفراده في معرفة سنة الله في الذين خلوا ، وإنما عنى إجالة الخاطر فيها ، والنظر بالبصيرة للمتحرين للحكم ، والمنبهين على العبر (٢) ، وعلى هذا قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(٣) ، وقوله : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها)(٤) ، وقد
__________________
(١) انظر : جامع البيان (٧ / ٢٢٨) ، والوسيط (١ / ٤٩٦) ، الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢١٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٦٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٥).
(٢) قال ابن عطية : «وقال تعالى : فَسِيرُوا* وهذا الأمر قد يدرك بالأخبار دون السير ، لأن الإخبار إنما يكون ممن سار وعاين ، إذ هو مما يدرك بحاسة البصر ، وعن ذلك ينتقل خبره ، فأحالهم الله على الوجه الأكمل.
وقوله : (فَانْظُروا) هو عند الجمهور من نظر العين. وقال قوم : هو بالفكر». المحرر الوجيز (٣ / ٢٣٨). وقال أبو حيان : «... وقيل : السير هنا مجاز عن التفكر ، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس. وقال الجمهور : النظر هنا من نظر العين ، وقال قوم : هو بالفكر ...». البحر المحيط (٣ / ٦٦).
(٣) سورة الروم ، الآية : ٩. وفاطر ، الآية : ٤٤.
(٤) سورة الملك ، الآية : ١٥.