متحري ذلك ضير ، بل له كل خير (١).
إن قيل : لم قدّم الإنفاق في الآية الأولى وأخّره ههنا؟ قيل : لما قصد في الأولى إلى ذمهم بالإنفاق رياء لكونهم غير مؤمنين ، قدّم ذكره ، وجعل قوله : (وَلا يُؤْمِنُونَ) في موضع الحال تنبيها أن ذلك منهم لكونهم غير مؤمنين ، ولما حثّهم في هذه الآية على ما يجب أن يتحروه ابتدأ بذكر الإيمان ، تنبيها أن إنفاقهم غير معتد به إلا بعد الإيمان بهما (٢).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٣) الآية. عنى بالظلم
__________________
(١) قال النسفي : «وأيّ تبعة ووبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله. والمراد : الذم والتوبيخ ، وإلا فكلّ منفعة ومصلحة في ذلك». مدارك التنزيل (١ / ٣٥٨). وانظر : جامع البيان (٨ / ٣٥٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٩) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٥) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٧).
(٢) ذكر أبو حيان نحوا من هذا الكلام فقال : «ولما وصفهم تعالى بتلك الأوصاف المذمومة ، كان فيه الترقي من وصف قبيح إلى أقبح منه ، فبدأ أولا بالبخل ثم بالأمر به ، ثم بكتمان فضل الله ، ثم بالإنفاق رياء ، ثم بالكفر بالله وباليوم الآخر. ولما وبّخهم وتلطّف في استدعائهم بدأ بالإيمان بالله واليوم الآخر ، إذ بذلك تحصل السعادة الأبدية ، ثم عطف عليه الإنفاق ...» البحر المحيط (٣ / ٢٦٠).
(٣) سورة النساء ، الآية : ٤٠ ، ونصّها : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً).